هل العنف هو الحل؟ هذا سؤال مهم طرحه فيلم "678 " تأليف وإخراج محمد دياب، استمد الفيلم أهميته من أنه عالج قضية مهمة وبشكل فني جيد رغم أنها التجربة الاولي للمخرج، يتعرض السيناريو لثلاث نساء من ثلاث طبقات مختلفة، فايزة "بشري " تمثل الطبقة الدنيا بفقرها وقهرها، تعمل موظفة في الضرائب، وصبا "نيللي كريم " تمثل الطبقة العليا بترفها وهي تعطي دروسا للنساء في كيفية مواجهة التحرش الجنسي، ونيللي "ناهد السباعي " تمثل الطبقة المتوسطة بغيابها واندثارها داخل المجتمع، فخطيبها عمر يضطر للعمل في بنك رغم أنه لا يحب هذا بسبب ضمان راتب جيد وثابت، وربما يؤدي هذا إلي تخليه عن موهبته في فن الـ" stand up comedy " ، الثلاثة نماذج لا يتفقن في أي شيء سواء اجتماعيا أو ثقافيا أو اقتصاديا، متباينات في كل شيء.. الملابس.. الاكسسوارات.. المنازل.. طريقة الكلام.... لم يتفقن سوي في شيء واحد وهو أنهن "نساء "، والمرأة في مصر تعيش في قهر يومي من مجتمع ذكوري بلا رحمة، يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن مختلفة "الاتوبيس.. الشارع.. الاحتفالات بفوز مصر في كرة القدم"، ويؤثر هذا علي حياتهن بشكل جذري، يقررن الانتقام بالعنف من خلال استخدام "مطواة" لضرب العضو الذكري لكل متحرش حتي لا يفعل ذلك مرة أخري.. لماذا؟ هذا سؤال يجيب عنه محمد دياب في طرح الشخصيات الذكورية بالفيلم، منها عادل "باسم السمرة " الذي يري المرأة وعاء للجنس، لذا تتمنع عنه زوجته "فايزة "، ويتعامل معها بشكل ذكوري وتبتعد المسافة بينهما، فيصبح مدمنا لممارسة العادة السرية ويتحرش ايضا بالنساء في الاتوبيس، ولـ"عادل " مبرراته فهو لا يجد مصاريف أبنائه في المدرسة، ويعمل طوال اليوم في عملين مختلفين، ولا يجد وقتا لممارسة إنسانيته، فيتحول الي "ماكينة " تبحث عن الرزق وايضا احتياجاتها الانسانية من ماء وطعام وجنس، وهناك أيضا "شريف " أحمد الفيشاوي زوج صبا، يبدو من المشاهد الاولي زوجا مثاليا، لكنه يظهر وجهه الحقيقي بعد تعرض زوجته لتحرش أقرب إلي الاغتصاب، ويبتعد عنها لفترة ولا يساندها، فهو أيضا ذكوري وأناني لا يري إلا نفسه "في مشهد نراه يقود سيارته الفخمة وتنزل صبا من أتوبيس النقل العام ويدوس علي "كلاكس " السيارة بشكل همجي يدل علي أنانيته وعدم اعتداده بمعاناة الاخرين "، وهناك "عصام " ماجد الكدواني ضابط الشرطة الذي لا يلتفت لزوجته، ويعاملها بمنطق ذكوري لأنها حامل في فتاة، ولا يريد أن يقتنع بأن ذكورته وفحولته ستنجب ابنة وليس ابنا، ولا يعتد بالآمها قبل الولادة، ويضعها في السيارة مثل الجماد، ولا تهتز منه شعرة لصراخها، أما عمر "عمر السعيد " فيبدو الشخصية الذكورية الاكثر تصالحا مع نفسها، لكنه يرضخ لضغوط المجتمع المتطرفة تجاه خطيبته، وفي النهاية يعود الي شخصيته الحقيقية، برر السيناريو للشخصيات الثانوية تحرشهم بالنساء، فمعظمهم شباب لا يجدون فرصة للزواج، ويفقدون الامل فيه، وتجاوز السيناريو الي شخصية العانس التي تقبل بالتحرش لأنها فقدت الامل أيضا في الزواج "زميلة فايزة في العمل "، إذن نحن أمام فيلم لا يدين ظاهرة بعينها وإنما يتجاوز هذا لقضية وطن يعاني من الفقر والجهل والتطرف والعنف، ويتعاطف مع كل الشخصيات "الجاني والمجني عليه ". حينما تشاهد هذا الفيلم وتخرج منه يجب أن تشعر بالخوف علي كل من حولك من نساء.. زوجتك أو خطيبتك.. شقيقتك.. أمك، لأنهن تعرضن بالفعل لإحدي محاولات التحرش، فقد أكدت الدراسات أن 83% من النساء في مصر تعرضن للتحرش، فالشوارع امتلأت بالذئاب الجائعة الهائجة التي تبحث عن فريسة، ذئاب اشتد عليها الجوع فراحت تنهش في جسد المجتمع أخلت بتوازنه، وراء هذا سلطة باطشة تنظر الي الامر باستخفاف، وكأننا في دائرة مغلقة، الفقر يؤدي الي الجهل والتخلف والتطرف والعنوسة أيضا، والعنوسة تؤدي الي التحرش والتحرش يؤدي الي العنف والعنف يؤدي الي الفوضي وهذا مانعيش فيه الآن.. أعود الي بداية المقال.. هل العنف هو الحل؟ ربما نعم ولكن الاهم.. تجاه من؟ بقلم ![]() احمد فايق faieek80@yahoo.com |
الجنس في الأتوبيس
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment