مونديال‏..2022‏ ودروس عربية مستفادة

بقلم: عماد رحيم
لم يأت فوز قطر بشرف تنظيم مونديال‏2022‏ لكرة القدم من فراغ‏,‏ بل جاء وسط صراع شرس‏,‏ حسمه خروج البعض مبكرا‏,‏ استراليا وكوريا الجنوبية واليابان‏,‏

 والذين خرجوا من المرحلة الأولي للتصويت لأسباب متباينة‏,‏ لتنحصر المنافسة في المرحلة النهائية بين قطر والولايات المتحدة الامريكية‏,‏ وتفوز الدوحة في مفاجأة من العيار الثقيل‏.‏ وظهرت ملامح الفرحة في قطر من خلال الابتهاج الشعبي الجارف والمؤازرة العربية المدعومة بتأييد رسمي فاعل من مصر ودول اخري‏,‏ وذهول وصدمة للولايات المتحدة الامريكية علي المستويين الشعبي والرسمي‏.‏
ذلك التباين في رد الفعل‏,‏ ظهر اكثر وضوحا في وسائل الاعلام العالمية ليوجد حالة من الجدل حول احقية قطر بالفوز‏,‏ وسط ايماءات وتلميحات البعض بوجود شبهة الرشوة‏,‏ والتي تبين فيما بعد عدم وجودها وان الفوز القطري بتنظيم البطولة لم تشبه عيوب اخلاقية‏.‏
الواقع ان الفوز لم يأت من فراغ‏,‏ لكن له اسباب ودوافع كثيرة تعززه وتؤكده وتوضحه‏,‏ يمكن التوقف عند بعضها‏.‏ واهمها امتلاك قطر البنية الاساسية الحديثة من طرق وكباري وفنادق وملاعب فضلا عن النية لتطوير هذه البنية حتي موعد البطولة‏.‏ كما انه جري عرض الملف بطريقة نموذجية‏,‏ لفتت انظار اللجنة المشرفة علي التنظيم‏.‏ اما السبب الاخير فهو الرغبة في الحصول علي حق تنظيم المونديال والقدرة علي تحقيق تلك الرغبة‏,‏ وهما عنصران متلازمان لايمكن فصل احدهما عن الآخر‏,‏ بمعني ان الرغبة تولدت لدي قطر شعبا وحكومة‏,‏ واصبح تنظيم المونديال هدفا وطنيا يتمني الجميع حدوثه‏.‏ الامر الذي ولد القدرة علي تحقيق ذلك الحلم‏,‏ مما استلزم توافر عناصر عديدة‏..‏ اهمها التنظيم الجيد والاستعانة بالاشخاص المناسبين لتخطيطه وتقديمه وترتيبه ثم عرضه والترويج له علي نطاق واسع‏.‏ وعندما اكتملت تلك العناصر وسط تباين رائع‏,‏ اثبت انه الملف الافضل‏,‏ لذلك نال اعجاب‏41‏ صوتا مقابل‏8‏ اصوات للولايات المتحدة الامريكية‏.‏
الواضح ان معايير التنافسية الدولية في المحافل المختلفة قد تغيرت نتيجة عوامل كثيرة‏,‏ علي رأسها التطور البشري والتكنولوجي‏,‏ الذي لم يعد يرتبط بدولة دون اخري كما كان يحدث سابقا‏.‏ فمعايير القوة لم تعد تقاس بحجم الدولة أو عدد سكانها أو موقعها الجغرافي أو ثقلها السياسي والاقتصادي الذي يعطيها الحق في احداث تغيرات في معادلات مختلفة سواء في محيطها القريب أو البعيد‏,‏ لكن هناك أسبابا متشابكة وحسابات معقدة‏,‏ والدليل ان المقارنة بين الثقل السياسي والاقتصادي بين قطر والولايات المتحدة الامريكية يميل بكل وضوح للاخري‏.‏ ومن هنا يمكن تفسير حالة الصدمة التي حدثت للشعب الامريكي وجعلت عددا ليس بالقليل منه يبحث عبر محركات البحث الالكترونية عن قطر ليكتشفوها وليعرفوا ما الذي تمتلكه من مميزات جعلت ملفها يتفوق في ذلك المحفل الدولي الذي يخطف انظار العالم وقت حدوثه‏.‏
لذلك فنجاح قطر في تلك المنافسة له العديد من المكاسب المتنوعة‏,‏ اهمها إيجاد صورة ذهنية جديدة عن المجتمع العربي المسلم‏,‏ توضح قدرته علي امتلاك ادوات الحضارة الحديثة لتغيير الصورة الذهنية الحالية التي ترسخت عبر سنوات وسنوات حتي شكلت موروثا ثقافيا سيئا في قطاعات كبيرة من المجتمعات الغربية‏,‏ ما يعني ان النجاح القطري في تنظيم المونديال هو حلم كل عربي يسعي للتحضر وسط عالم تسوده متغيرات كثيرة لابد من متابعتها ومواكبتها‏.‏
في النهاية تبقي الاشارة الي شئ لايقل اهمية عما سبق‏,‏ وهو ان الفوز القطري بتنظيم مونديال‏2022 فتح الباب امام الكثيرين ليكتشفوا انه يوجد بيننا من يملك قدرات تتيح له المنافسة في محافل دولية مختلفة‏,‏ لكن ما ينقصنا ان نعرف ماهية قدراتنا العربية وكيفية توظيفها واستغلالها‏.‏

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام،و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام
راسلنا على البريد الاليكترونى ahramdaily@ahram.org.eg

No comments:

Post a Comment