رئيسة جمعية أهلية: 90 % من السجينات يتهربن من استلام أطفالهن بعد انقضاء العقوبة

في شهادات الميلاد، تحمل خانة "محل الميلاد" عنوان "سجن القناطر".. لم يسألهم قاض عن جريمتهم، ولم يسألهم مأمور السجن عند الدخول عن الاسم، فعندها لم يكن أي منهم يحمل اسما، كانوا جميعا أجنة في بطون أمهاتهم، قبل أن يعبرن بوابة سجن القناطر، لقضاء فترة عقوبة قد تمتد إلي 25 عاما.
وصمة ولادة الأطفال في سجن القناطر ربما لا تفارقهم أبدا، مثلما تلوث ذاكرتها صور القضبان وأصوات السجانات، لكن لا أحد يملك القوة لأن يطالب بحرمان الأم "السجينة" من طفلها، حتي لو كان الثمن هو أطفال بذاكرة مشوشة، فطبقا للوائح مصلحة السجون، يحق للأم حضانة وليدها داخل محبسها لمدة عامين، وهي الفترة الشرعية للرضاعة، قبل أن يتم تسليمه للأسرة، ولكن في الغالب ترفض الأسرة استلامه، فتقوم مصلحة السجون بتسليمه إلي جمعية أولادي بالمعادي، باعتبارها الجمعية الوحيدة التي تستقبل ابناء السجينات بخطاب رسمي من مصلحة السجون، ليبدأ هناك الطفل رحلته خارج الاسوار.
وفي جمعية أولادي، أكدت لنا رئيستها فاطمة حجازي، أن عدد أطفال السجينات في الجمعية حاليا يبلغ 20 طفلا، في مراحل التعليم المختلفة، ما بين الروضة والابتدائي والإعدادي، أما المفاجأة التي فجرتها لنا، فهي أن 90% من السجينات يتهربن من استلام الأطفال بعد انقضاء فترة العقوبة، رغم التزام الجمعية بإرسال الاطفال لزيارة الأمهات شهريا، يعودون بعدها لممارسة حياتهم داخل الجمعية كباقي الأطفال، وتشير رئيسة الجمعية إلي أن السبب في تهرب الأمهات غالبا، يكون عدم قدرتهن علي توفير المستوي اللائق لمعيشة الطفل، وهو ما يتسبب في إصابة الأطفال بصدمة نفسية كبيرة، خاصة مع انقطاع زيارتهم للأم في السجن.
وتحكي "أمال" الموظفة في الجمعية عن إصابة طفل عمره 6 سنوات، بصدمة نفسية كبيرة، بعد تهرب أمه من استلامه عقب انتهاء عقوبتها، التي كانت تقضيها عن اتهامها في جريمة سرقة بالإكراه، فقد ظل الطفل ينتظر قدومها لاستلامه طويلا دون جدوي، وفشلت كل محاولات الجمعية في مساعدته، وعندما حاولت إحدي الاخصائيات الوصول إلي الأم من خلال عنوانها في سجلات السجن، اكتشفت أنها اختفت تماما، ولم يستوعب الطفل هذا الغياب المفاجئ للأم، فتحول إلي الانطوائية والاكتئاب، ودخل في أزمة نفسية طويلة رافقته فيها وحدة الرعاية النفسية بالجمعية، لمساعدته علي تخطي هذه المرحلة، والتأقلم مع أقرانه.
وهناك حالة أخري عاشتها الجمعية لفتاة عمرها 21 عاما، لم تعرف طوال حياتها سوي أبناء الجمعية كأخوات لها، والاخصائيات هن الأم، ولم تعرف منذ طفولتها معني البيت سوي داخل جدران الجمعية، فقد دخلت الجمعية منذ 19 عاما، ووقتها كانت تبلغ من العمر عامين فقط، وبعد 15 عاماً من وجودها داخل الجمعية، رفضت طلب الأب لاستلامها، وفضلت البقاء في الجمعية، بدلا من الانتقال لحياة مجهولة.
وفي الفترة الأخيرة، تمكنت الجمعية من الوصول لأمهات ثلاثة أطفال تم إيداعهم بها، حيث اختفت الأمهات الثلاث تماما بعد الإفراج عنهن، ولم تأت أي منهن لاستلام الطفل، وفوجئت إدارة الجمعية بإحدي الأمهات ترفض استلام ابنها نهائيا، بحجة عدم وجود سكن لديها أو مورد دخل، وعندها وفرت لها الجمعية شقة سكنية، وساعدتها في العثور علي وظيفة.
وفي العادة يتم إخفاء سبب عقوبة الأم عن الأطفال، حتي لا يؤثر ذلك علي نفسية الطفل، خاصة أن أغلب الاتهامات تكون مخلة بالشرف، وتحكي إحدي موظفات الجمعية قصة لشابة ولدت خلف أسوار السجن، قبل أن تنتقل إلي الجمعية، وظلت تزور أمها التي كانت تنتظر تنفيذ حكم الإعدام فيها، دون أن تفهم الطفلة دلالة الملابس الحمراء التي كانت ترتديها الأم، وبعد تنفيذ حكم الاعدام، انقطعت زيارات الطفلة للسجن، وبعد عدة سنوات تفهمت أن أمها فارقت الحياة، وهو ما أصابها بصدمة نفسية عميقة، وحاولت وحدة الرعاية النفسية بالجمعية مساعدتها علي تخطي هذه الأزمة، وبالفعل أكملت حياتها، حتي تزوجت من أحد أبناء زملائها، وساعدتهما الجمعية في الحصول علي شقة الزوجية.
ومن الحكايات الموجعة، قصة طفل تم إيداعه بالجمعية وعمره عامان، وكان لديه 3 أشقاء، لا يعرفهم حتي الآن، وتؤكد اخصائية نفسية في الجمعية أن الطفل لم يعد يسأل عن أشقائه، فقد تأكد أن أحدا منهم لا يرغب فيه، خاصة أن الأم لم تسع لاستلامه بعد انتهاء عقوبتها.
وتشير أشجان العباسي مديرة الجمعية إلي أن إدارة السجن تقوم أحيانا بتحويل أطفال إليها، دون استيفاء الأوراق الرسمية للطفل، مثل شهادة الميلاد، وهو الأمر الذي يعيق الجمعية عن عملها، فمهمتها الأساسية هي الرعاية وليس استخراج أوراق رسمية، وهو ما دفع إدارة الجمعية لأن ترفض استلام الدفعة الأخيرة من أبناء السجينات، إلا بعد استيفاء الأوراق الرسمية، وفي حالة عدم معرفة الأم السجينة لاسم الأب، في حالة المتهمات في قضايا آداب، تقوم لجنة خاصة من وزارة الصحة بتحديد سن الطفل، وتتم إحالته إلي لجنة خاصة في مصلحة الأحوال المدنية، لمنحه أسما ثلاثيا، واستخراج شهادة ميلاد رسمية له.
وفي أحيان كثيرة تعجز الجمعية عن استضافة بعض الحالات المرضية للأطفال، ففي إحدي المرات تسلمت رضيعا ثم فوجئت بأنه يحتاج إلي رعاية طبية خاصة، لإصابته بمرض خطير يحتاج إلي طاقم تمريض مرافق علي مدار الساعة، بالإضافة لحاجته إلي حقنة يوميا، يصل سعرها إلي 300 جنيه، وهو ما لم تستطع تحمله.

No comments:

Post a Comment